تكاليف دراسة الجدوى: استثمار صغير لعوائد ضخمة
حين تنظر إلى بناء شامخ تتساءل: كم استغرق؟ كم كلف؟ لكن القليلون يسألون: كم دُفع في رسم الخطة؟ كذلك هي المشاريع؛ يراها الناس في افتتاحاتها الباذخة، وشعاراتها الجذابة، وصفحاتها على إنستغرام، لكن ما لا يُرى هو الوثيقة الأهم التي سبقت كل هذا: دراسة الجدوى. وهنا تبدأ الأسئلة الشائعة تتكرر:
- كم تكلفة عمل دراسة جدوى؟
- هل أسعار دراسات الجدوى مرتفعة؟
- هل تستحق الدراسة كل هذا العناء؟
دراسة الجدوى ليست تكلفة.. بل استثمار مبكر
من الأخطاء المفاهيمية الشائعة اعتبار تكلفة دراسة جدوى مجرد بند في المصروفات. الحقيقة أنها جزء من رأس المال الذكي؛ مبلغ صغير يُنفق في البداية ليمنع نزيفًا محتملًا في المستقبل.
وبكلمات أوضح يمكن القول إن دراسة الجدوى تكشف لك إن كان المشروع يستحق أن يُنفذ أصلًا. وتحذّرك من الفجوات التي قد تتسبب في إفلاسه لاحقًا. وترشدك إلى أفضل السبل للربحية، وتضع يدك على الجمهور المستهدف الحقيقي. وحين تسأل عن تكلفة دراسة جدوى، اسأل معها: كم كانت ستكلفني الأخطاء إن لم أقم بها؟
ما الذي يُحدد أسعار دراسات الجدوى؟
ليست كل دراسة جدوى لها نفس السعر ذاته. هناك عوامل تؤثر مباشرة في أسعار دراسات الجدوى، منها:
1. نوع المشروع:
مشروع صناعي ضخم يختلف عن مقهى صغير. التعقيد، واللوائح، والسوق المستهدف، كلها ترفع من الجهد المطلوب.
2. حجم البيانات والتحليل:
إذا كنت تطلب دراسة جدوى تعتمد على تحليل عميق للسوق السعودي، متضمنة تحليل المنافسين وسلوك المستهلك، فسيتطلب ذلك وقتًا وخبرة أعلى.
3. جهة إعداد الدراسة:
شركة استشارية مرموقة بخبرة طويلة لن تُسعّر كما يفعل مستشار مستقل في بداياته. هنا تلعب السمعة والدقة والموثوقية دورًا محوريًا.
4. المدة الزمنية لإنجاز الدراسة:
كلما كان الموعد المطلوب أقصر، زادت التكلفة وهذا منطقي لأن ضيق الوقت يتطلب تعبئة موارد أكبر.
كم تكلفة عمل دراسة جدوى في السعودية؟
لنبقَ عمليين. في السوق السعودي حاليًا، تتراوح أسعار دراسات الجدوى بين:
- من 5,000 إلى 15,000 ريال سعودي: للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، مثل المتاجر الإلكترونية، والمقاهي، والعيادات البسيطة.
- من 20,000 إلى 60,000 ريال سعودي: للمشاريع المتوسطة التي تحتاج إلى تحليل سوق تفصيلي وخطط مالية دقيقة، كالمصانع الناشئة أو المشاريع الخدمية واسعة النطاق.
- أكثر من 70,000 ريال سعودي: للمشاريع الكبرى أو التي تستهدف التمويل أو الدخول في شراكات استثمارية عالية المستوى، خاصة تلك التي تتطلب نماذج مالية معقدة أو دراسات ميدانية موسعة.
الفرق في السعر لا يعكس فقط حجم المشروع، بل أيضًا عمق الدراسة واحترافية الفريق القائم عليها.
هل يمكن الاعتماد على دراسة جدوى رخيصة؟
في رحلة الأعمال، لا بأس بتوفير النفقات، لكن ليس في دراسة الجدوى.
الدراسة الرخيصة قد تعني استخدام قوالب جاهزة، نسخ بيانات من الإنترنت، عدم تخصيص الدراسة للسوق المحلي، أو حتى تجاهل جوانب حرجة كتحليل المخاطر أو التقديرات المالية الواقعية.
هذه الدراسة الرخيصة تصبح لاحقًا أغلى ما يكون، لأنها قد توجّه المشروع نحو قرار استثماري خاطئ.
الاحتراف له ثمن، لكنه أقل من ثمن الفشل.
متى تُصبح تكلفة دراسة الجدوى مكسبًا؟
دعونا نقلب المعادلة:
افترض أنك دفعت 20,000 ريال سعودي على دراسة جدوى، ونتيجتها:
- منعتك من الدخول في مشروع كان سيكلفك 300,000 ريال ويتعثر بعد 6 أشهر.
- أو أنها وجّهتك لإعادة هيكلة الفكرة بحيث تصبح أكثر جاذبية للمستثمرين، وتحصل على تمويل بقيمة نصف مليون ريال.
- أو أنها ساعدتك على خفض التكاليف بنسبة 25%، أو تسريع نقطة التعادل (Break-even) من 18 شهرًا إلى 10 أشهر.
في هذه الحالات، تصبح تكلفة دراسة الجدوى ليست مبلغًا خرج من جيبك، بل استثمارًا أنقذك أو أربحك أو مهّد لك الطريق بذكاء.
ما بعد الدراسة: هل تنتهي الحكاية؟
الحقيقة أن دور دراسة الجدوى لا ينتهي بتسليمها.
هي مرجع مستمر طوال رحلة المشروع، تُراجع عند اتخاذ قرارات كبرى، وتُحدّث كلما تغيرت ظروف السوق. بمعنى آخر، هي ليست تقريرًا يُركن في الأدراج، بل خريطة طريق يُستأنس بها في كل منعطف.
الإنفاق لتجنّب النزيف
في مناخ ريادة الأعمال السعودي اليوم، الذي يشهد دعمًا حكوميًا كبيرًا وتشجيعًا غير مسبوق للمشاريع الناشئة، أصبح من المؤسف أن يتعثر مشروع واعد بسبب تجاهل أبسط قاعدة: افهم قبل أن تبدأ.
دراسة الجدوى ليست ترفًا ولا إجراءً روتينيًا. إنها المنظار الذي ترى به المستقبل قبل أن تخطو إليه، والمكبح الذي يمنعك من الاندفاع نحو المجهول، والبوصلة التي تُوجّهك وسط ضباب السوق.
فحين تسأل: كم تكلفة عمل دراسة جدوى؟
أعد صياغة السؤال إلى: كم يمكنني أن أربح إن أنفقت هذا المبلغ في رسم الطريق الصحيح؟
ولعل الجواب الأقرب للواقع هو: دراسة الجدوى تدرّ عليك أرباحًا أكثر بكثير مما تتوقع.
